ا
تمثل قصه حياة الجاسوسه هبه سليم القصه الحقيقه لفيلم الصعود الي الهاويه وهي من أكثر ملفات الجاسوسية في المخابرات المصرية إثارة وخطورة يطل ملف الجاسوسة هبة سليم، كواحد من أشهر هذه الملفات، ليس فقط باعتبار أن
المعركة التي دارت بين جهاز المخابرات المصري ونظيره “الإسرائيلي” “موساد”،كانت الأشرس بين الجهازين خلال تلك الفترة التي جرت فيها وقائع تلك القصة والتي استبقت حرب اكتوبربسنوات قليلة وإنما لكون “هبة” هي أول جاسوسة عربية، نجحت
أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” في تجنيدها الثابت في ملفات جهاز المخابرات المصري أن هبة سليم
عملت لمصلحة جهاز “موساد” “الإسرائيلي”، ليس من أجل المال، وإنما من أجل وهم كبير سيطر على عقلها، وخدعة أكبر تملكت وجدانها، صورت لها “إسرائيل” في صورة “دولة عظمى لا تقهر”.في المقابل كانت هبة سليم تمثل بالنسبة
لجهاز الاستخبارات “الإسرائيلي” الكثير، لذلك لم يكن غريبا أن تبكي جولدا مائير حزناً على مصير فتاتها المفضلة،
التي وصفتها ذات يوم بقولها: “لقد قدمت ل”إسرائيل” من الخدمات، أكثر مما قدم زعماء “إسرائيل” أنفسهم”.
والثابت أيضا أنه مثلما بدأت قصة هبة سليم على نحو مثير، انتهت بصورة أكثر إثارة، حيث صدر
الحكم بإعدامها ونفذ في دقائق، بعدما بدأت الضغوط “الإسرائيلية” تتزايد على القاهرة لاطلاقها، لدرجة توسط فيها وزير الخارجية
الأمريكي حينذاك “هنري كيسنجر” لدى صديقه الرئيس السادات لتخفيف الحكم عليها، في وقت كان الأخير يخطط فيه لمعاهدة كامب
ديفيد، وقد تنبه السادات لذلك، فأمر بإعدامها فورا،بعد أن خشي من أن تقف تلك الجاسوسة عقبة في طريق ما يريد.
( هبة سليم)
البداية كانت في نادي الجزيرةمثل أي فتاة مصرية من الطبقة الراقية عاشت هبة عبد الرحمن سليم عامرحياة مرفهة، في بيت أسرتها الفاخر الكائن في ضاحية المهندسين الراقية، غير عابئة بما كانت تمر به مصر خلال فترة
الستينات من تحولات.ومثل غيرها من بنات تلك الطبقة، راحت الفتاة الجميلة تقضي معظم وقتها في نادي “الجزيرة” الشهير، وسط مجموعة من صديقاتها اللاتي لم يكن يشغلهن حينذاك، سوى الصرعات الجديدة في الملابس،
ومغامرات بعضهن وقصصهن العاطفية الملتهبة في أروقة النادي العريق. لم تكن هبة قد جاوزت العشرين من عمرها عندما وقعت نكسة عام ،1967 وكانت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة،فألحت على والدها الذي
كان يعمل وكيلا لوزارة التربية والتعليم، في السفر إلىباريس لإكمال تعليمها الجامعي، إذ كانت الغالبية العظمى من أبناء تلك الطبقة
لا يلتحقون بالجامعات المصرية، ويفضلون الجامعات الأوروبية عليها. أمام ضغوط الفتاة المدللة، وافق الأب من دون أن يخطرعلى باله ولو للحظة واحدة، ما سوف تتعرض له ابنته في فرنسا، ليس بسبب حاجز اللغة،
حيث كانت هبة قد درست الفرنسية منذ طفولتها، وإنما بسبب ما كان ينتظرهاهناك من شرك لم تقو على مقاومة السقوط فيه،فكان سقوطا مريعا وصادما.في فرنسا وجدت هبة سليم ما كانت تنشده من حرية،وفي مدرجات الجامعة
كان الاختبار الأول لتلك الحرية المنشودة عندما تعرفت إلى فتاة يهودية من أصول بولندية
دعتها ذات مساء لسهرة في منزلها، لتجد نفسها فجأة أمام عدد من الشبان اليهود الذين تعجبوا من قبولها الدعوة
في بادئ الأمر، لكنهم سرعان ما راحوا يمطرونها بآيات الغزل، باعتبارها “مصرية جريئة ومتحررة
لا تلتفت لحالة الحرب التي يعيشها بلدها،وتؤمن بالحرية إلى أقصى مدى”. لم يكن الشاب اليهودي الذي كان في حقيقته ضابط مخابرات “إسرائيلي”، بحاجة إلى مجهود كبير لينجح في تجنيد هبة حيث كانت المناقشات الدائرة منذ فترة قد آتت ثمارها سريعاوباتت المصرية
الغارقة حتى أذنيها في وهم الحرية الغربية تنظر بإيمان عميق إلى “إسرائيل” باعتبارها واحة الديمقراطية والحرية الجديدة،
لذا لم يكن أمام الضابط الوسيم سوى أن يشعل الفتيل مرة واحدة، ويؤكد لها أن تلك الدولة الديمقراطية الحرة القوية،
قادرة بكل تأكيد على “حماية أصدقائها” بل وباستطاعتها بسهولة شديدة أن تنقذهم من أي خطر يتعرضون له، في أي مكان في العالم.
كان فاروق عبد الحميد الفقي يعمل ضابطا في الجيش المصري وسقط في غرام هبة منذ شاهدها لأول مرة بصحبة عدد من صديقاتها
في النادي، لكن الفتاة المتحررة كانت غير راغبة في الارتباط به حيث كان بالنسبة لها شابا عاديا لا يملك من مقومات فتى أحلامها شيئا. غرام في النادي عندما روت هبة ذات يوم لضابط الموساد “الإسرائيلي” عن الضابط فاروق، ومطارداته الساذجة لها في أروقة النادي وعبر هاتف بيت أسرتها، كاد يطير من الفرح بذلك الصيد الثمين ولم لا وقد تغيرت الخطة، فبدلا من أن ينحصر دور هبة في اللعب بأدمغة الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الفرنسية المختلفة بات من الممكن أن تلعب دورا أكبر وأهم، ولم يضيع ضابط الموساد وقتا ولم تمر سوى أيام معدودات حتى رسم لها خطة لاصطياد فاروق وتجنيده بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو خطبتها له.
عادت هبة إلى القاهرة، وراحت تتردد على نادي الجزيرة مجددا، وتسأل صديقاتها الذين تعجبوا كثيرا لآرائها المتحررة للغاية
عن فاروق، الذي ظهر بعد فترة قليلة غير مصدق أن الفتاة التي طالما تمناها لنفسه تبحث عنه.
لم يصدق الضابط العاشق نفسه عندما فاجأته هبة ذات يوم بدلال مصطنع بسؤال حول مصير علاقتهما التي بدأ الناس
يتحدثون عنها، فأخبرها فاروق انه يتمناها زوجة له منذ فترة وأنه على استعداد لأن يذهب ليطلب يدها من أسرتها فورا
فارتسمت على وجه هبة ابتسامة انتصار عريضة.
كان فاروق دائم التغيب لفترات، وكانت تلك الفترات فرصة لشجار مفتعل تمكنت من خلاله هبة أن تحصل
على بعض المعلومات الأولية عن طبيعة عمل خطيبها العاشق وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها أنه يخرج في مهمات عسكرية
على جبهة القتال، لتنفيذ مواقع جديدة لصواريخ حصلت عليها مصر سرا من روسيا، سيكون لها دور فعال
في قطع يد “إسرائيل” إذا ما فكرت في العدوان على مصر. معلومات خطيرة للغاية
كان فاروق يشعر أمام ثقافة هبة الفرنسية الرفيعة ووجهات نظرها شديدة التحرر بنقص شديد،
راح يعوضه بالتباهي أمامها بأهمية عمله، وهبة من جانبها تسخر مما يقول حتى كانت المفاجأة التي لم تتوقعها ذات يوم، عندما دعاها
إلى بيته وتحدث معها في أدق الأسرار العسكرية قبل أن يفاجئها بعدد من الخرائط العسكرية الخطيرة التي
كان يحملها في حقيبة خاصة، ويشرح لها بالتفاصيل أماكن المواقع الجديدة.أرسلت هبة ما حصلت عليه من معلومات من فاروق
إلى باريس حيث ضابط الموساد الذي يتولاها برعايته وأرسل هذه المعلومات من فوره إلى تل أبيب التي سرعان
ما توصلت إلى صحة هذه المعلومات وخطورتها فطلبت من رجلها في فرنسا أن يوليها اهتماما كبيرا،
باعتبارها عميلة فوق العادة. ولم تمض سوى أسابيع قليلة حتى تلقت هبة التعليمات الجديدة
والتي تمثلت في العمل بكل الطرق للحصول على طبيعة تسليح هذه المواقع، والمواد المستخدمة في بناء قواعد الصواريخ
ومواقعها التبادلية المقترحة كانت التعليمات الجديدة تقتضي أن تسافر هبة إلى باريس
على وجه السرعة، فسافرت بعد أن تحججت لخطيبها العاشق بإنهاء أوراق رسالتها للدكتوراه، بينما كانت تحمل في مفكرتها الصغيرة
صفحات دونت فيها معلومات غاية في السرية والأهمية لدرجة حيرت ضابط المخابرات “الإسرائيلي” الذي سألها صراحة
كيف تستطيع الأم الكبيرة مكافأتك على هذه المعلومات الخطيرة؟ وكانت الإجابة تتمثل في عشرة آلاف فرنك فرنسي
حملها ضابط الموساد إلى هبة قبل أيام من عودتها إلى القاهرة مع وعد بمبالغ أكبر وحياة رغدة في باريس، لكن هبة رفضت النقود بشدةوقبلت فقط أن تعيش الحياة الرغدة، لتقضي ثلاثة اشهر على نفقة الموساد في
العاصمة الفرنسية قبل أن تعود إلى القاهرة مجددا بالتكليفات الجديدة، التي كانت تتمثل في تجنيد خطيبها الضابط بالجيش المصري.
فوجئ المقدم فاروق الفقي بالطلب الذي نزل على قلبه كالصاعقة بينما كانت هبة تموء مثل قطة وهي تعبث في خصلات شعره
وانتفض فاروق من رقدته لكنه فهم بعد لحظات من الصمت العميق أنه لم يعد باستطاعته أن يتراجع.
كانفاروق قبل ذلك بساعات قد فوجئ بفرط جرأة هبة معه عندما طلبت منه أن يصطحبها إلى منطقة هادئة بسيارته
لكن السيارة لم تكن مناسبة لتنفذ الفتاة المتحررة ما كانت تخطط له فطلبت من فاروق أن يذهبا إلى شقته.
كاد عقل فاروق يطير وهو يرى حلمه يتحقق، هبة ترقد إلى جواره وكانت الرغبة قد أعمت قلبه فلم يشعر بكارثة السقوط،
ليكتشف بعدما أفاق من سكرة العشق أنه صار عميلاً للموساد نجحت هبة بمساعدة فاروق في الحصول على وثائق وخرائط عسكرية
غاية في الخطورة عن منصات صواريخ “سام 6” المضادة للطائرات وفيما كانت الأنباء السارة تنهمر على تل أبيب كان جهاز المخابرات المصري يبحث عن حل للغز الكبير، والذي كان يتمثل في تدمير مواقع الصواريخ الجديدة
أولاً بأول بواسطة الطيران “الإسرائيلي”، وحتى قبل أن يجف البناء، وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود “عميل عسكري”
يقوم بتسريب معلومات سرية جداً إلى “إسرائيل”. زيارة إلى “إسرائيل”مستغربة انتقلت هبة إلى باريس للحصول على مكافأتها الكبرى
وهناك عرض عليها ضابط الموساد زيارة “إسرائيل”ووصفت هبة فيما بعد تلك الرحلة مشيرة إلى أن طائرتين حربيتين
رافقتا الطائرة التابعة لطيران العال التي أقلتها إلى تل أبيب عندما دخلت المجال الجوي “الإسرائيلي” كحرس شرف تحية لها، في إجراء
لا يتم إلا مع الرؤساء والملوك فقط.في مبنى الموساد كان هناك استقبال أكبر، فقد كان
في استقبال هبة جولد مائير و عاميت رئيس جهاز الموساد قصة وصور الجاسوسة هبة سليم( فلم الصعود للهاوية )
حينذاك، حيث أقيم حفل استقبال ضخم، انتهى إلى مفاجأة عندما وجدت هبة نفسها أمام مدخل مكتب فخم واصطف
على الطريق المؤدي إليه عشرة من كبار الجنرالات يؤدون التحية العسكرية، قبل أن تفاجأ بأنها وجها لوجه
أمام جولدا مائير شخصيا، التي قدمت هبة إلى الجمع قائلة: “أيها السادة إن هذه الآنسة قدمت ل”إسرائيل”
خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعا”.بعد عدة أيام عادت هبة إلى باريس وزاد يقينها بأن “إسرائيل”
جنة يريد العرب تدميرها، بينما كان البحث لا يزال جاريا في القاهرةعن الجاسوس الغامض، حتى اكتشف الأمر أحد
مراقبي الخطابات الصادرة إلى الخارج في قسم تابع للمخابرات المصرية.كان الخطاب موجها من فاروق إلى هبة، وكانت سطوره تفيض بالعواطف الجياشة، لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي تمثل في عبارة كتبها مرسل الخطاب تقول إنه “قام بتركيب إيريال الراديو الذي عنده”وكان عصر إيريال الراديو قد انتهى.انقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة
وتشكلت لجان من أمهر الرجال، مسحت شوارع حي الدقي حيث كان يقيم فاروق، حتى عثر أحد أفراد فرقة البحث على
جهاز الإيريال فوق إحدى البنايات، ليكتشف ضباط المخابرات أن الشقة التي يصل إليها سلك الإيريال تخص ضابطا
يعمل وقتها مديراً لمكتب إحدى القيادات المهمة في الجيش وكان هو نفسه المقدم فاروق عبدالحميد الفقي.
كان فاروق في تلك الأثناء في مهمة عسكرية بعيدا عن القاهرة وعندما عاد إلى مكتبه، كان نائب مدير المخابرات الحربية
في انتظاره، يجلس خلف المكتب، فارتجف فاروق من الرعب،وقال في الحال: “أنتوا عرفتوا؟”.
(اعترافات في مبنى المخابرات)
في التحقيقات التي أجريت في مبنى المخابرات المصرية اعترف فاروق بما حدث، وكيف جندته خطيبته،
لكنه قال إنه لم يكن يعلم أن المعلومات التي قدمها لها كانت ستفيد العدو، وقدم فاروق سريعا للمحاكمة العسكرية
التي قضت بإعدامه رميا بالرصاص، لكن جهاز المخابرات كان له رأي آخريتمثل في استثمار ما يضعه جهاز الموساد “الإسرائيلي”
من ثقة في فاروق وشريكته، فطلب من فاروق أن يستمر في نشاطه خاصة أن هبة لم تعلم بعد بأمر القبض عليه والحكم بإعدامه.
اقتيد فاروق إلى مكان خاص بالمخابرات المصرية، وخضع لسيطرة نخبة من الضباط تولت توجيهه، ليتم إرسال رسائل بواسطة جهاز اللاسلكي من صنع المخابرات الحربية، تم توظيفها بدقة ضمن مخطط للخداع فيما تواصل الاتصال مع هبة بعد القبض على فاروق لمدة شهرين، قبل أن تقرر المخابرات المصرية استدراج هبة إلى القاهرة بهدوء، حتى لا تنجح في الهرب إلى “إسرائيل” إذا ما اكتشفت الأمر.
(خطة القبض علي هبة)
كانت خطة القبض على هبة تتضمن أن يسافر ضابطان كبيران من جهاز المخابرات إلى ليبيا لمقابلة والد هبة الذي
كان يشغل وظيفة كبيرة هناك، وإقناعه بأن ابنته تورطت في عملية خطف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة
الفرنسية على وشك القبض عليها، وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، ولمنع الزج باسم مصر في مثل
هذه العمليات الإرهابية، وطلب الضابطان من والد هبة أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته بزعم أنه مصاب بذبحة صدرية.
أرسل الوالد برقية عاجلة لابنته فجاء ردها سريعا ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس إلى باريس، حيث إنها حجزت له في أكبر
المستشفيات هناك، وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار، فقامت المخابرات المصرية بالتنسيق مع نظيرتها الليبية التي
قامت بحجز غرفة في مستشفى طرابلس للأب، الذي أرسل مجددا لابنته يخبرها بعدم قدرته على السفر إلى باريس لصعوبة حالته.
تأكدت المخابرات “الإسرائيلية” من صحة البرقية بأن أرسلت شخصين للتأكد من وجود والد هبة في المستشفى الليبي
وعندها فقط سمح لها بالسفر على متن طائرة ليبية في اليوم التالي إلى طرابلس.عندما نزلت هبة عدة درجات من سلم الطائرة
في مطار طرابلسوجدت ضابطين مصريين في انتظارها، صحباها إلى حيث تقف طائرة مصرية على بعد عدة أمتار، فسألتهما:
إحنا رايحين فين؟
فرد أحدهما: المقدم فاروق عايز يشوفك.
فقالت: هو فين؟.
فقال لها: في القاهرة.
صمتت برهة ثم سألت: أمال أنتم مين؟
فقال: إحنا المخابرات المصرية
(أسرع تنفيذ لحكم بالإعدام)
مثلت هبة سليم أمام القضاء المصري ليصدُر بحقها حكم بالإعدام شنقا بعد محاكمة اعترفت أمامها بجريمتها، وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها بل إنها تقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة لكن التماسها رفض وأعدم فاروق الفقي بيد قائده بعد شنق هبة سليم بأيام ونفذ حكم الإعدام فيها بطريقة لم تحدث من قبل، وكان وقتها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي قد حضر إلى أسوان
لمقابلة الرئيس السادات، في أول زيارة له إلى مصر بعد حرب أكتوبر وفوجئ السادات به يطلب منه
بناء على رغبة شخصية من جولدا مائير أن يخفف الحكم على هبة سليم، التي كانت تقضي أيامها في أحد السجون المصرية.
وفطن السادات أن الطلب سيكون بداية لطلبات أخرى ربما تصل إلى درجة إطلاق سراحها، فنظر إلى كيسنجر
في دهاء شديد قائلاً: “تخفيف حكم؟.. لقد أعدمت”. وعندما سأل كيسنجر في استغراب: “متى؟”مستغربة.
رد السادات دون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية الذي كان يقف على بعد خطوات وكأنه يصدر له الأمر: “النهارده
أما الضابط العاشق – المقدم فاروق عبد الحميد الفقي فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولاً عنه بالكامل.
وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته، رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته
خاصة والحرب وشيكة. .اشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن. ولما
كان هذا الشرط لا يتفق والتقاليد العسكرية. .وما يتبع في مثل هذه الأحوال. . فقد رفع طلبه الى وزير الدفاع "الحربية"
الذي عرض الأمر على الرئيس السادات "القائد الأعلى للقوات المسلحة فوافق فوراً ودون تردد.
وعندما جاء وقت تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن.. لا أحد يعرف ماذا كان شعور قائده وهو يتقدم ببطء. . يسترجع في شريط سريع تسع سنوات مرت عليهما في مكتب واحد. . تسع سنوات كان بعضها في سواد الليل. . وبعضها تتلألأ خلاله
ومضات الأمل قادمة من بعيد. . الأمل في الانتصار على اليهود الخنازير القتلة السفاحين.. وبينما كان يخطط لحرب
أكتوبر كان بمكتبه هذا الخائن الذي باع الوطن والأمن وقتل بخيانته أبرياء..لا أحد يعرف ماذا قال القائد له. . وماذا كان رد الضابط عليه. . لا أحد يعرف. هل طلب منه أن ينطق بالشهادتين، وأن يطلب المغفرة من الله؟.
. . لا أحد يعرف.لكن المؤكد أنه أخرج مسدسه من جرابه. . وصوبه على رأس الضابط
وأطلق طلقتني عليه كما تقضي التعليمات العسكرية في حالة الاعدام
القصة الحقيقية للجاسوسة هبة سليم وماذا فعل معها الموساد
القصة الحقيقية للجاسوسة هبة سليم وماذا فعل معها الموساد تمثل قصه حياة الجاسوسه هبه سليم القصه الحقيقه لفيلم الصعود الي الهاويه وهي م... |
تمثل قصه حياة الجاسوسه هبه سليم القصه الحقيقه لفيلم الصعود الي الهاويه وهي من أكثر ملفات الجاسوسية في المخابرات المصرية إثارة وخطورة يطل ملف الجاسوسة هبة سليم، كواحد من أشهر هذه الملفات، ليس فقط باعتبار أن
المعركة التي دارت بين جهاز المخابرات المصري ونظيره “الإسرائيلي” “موساد”،كانت الأشرس بين الجهازين خلال تلك الفترة التي جرت فيها وقائع تلك القصة والتي استبقت حرب اكتوبربسنوات قليلة وإنما لكون “هبة” هي أول جاسوسة عربية، نجحت
أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” في تجنيدها الثابت في ملفات جهاز المخابرات المصري أن هبة سليم
عملت لمصلحة جهاز “موساد” “الإسرائيلي”، ليس من أجل المال، وإنما من أجل وهم كبير سيطر على عقلها، وخدعة أكبر تملكت وجدانها، صورت لها “إسرائيل” في صورة “دولة عظمى لا تقهر”.في المقابل كانت هبة سليم تمثل بالنسبة
لجهاز الاستخبارات “الإسرائيلي” الكثير، لذلك لم يكن غريبا أن تبكي جولدا مائير حزناً على مصير فتاتها المفضلة،
التي وصفتها ذات يوم بقولها: “لقد قدمت ل”إسرائيل” من الخدمات، أكثر مما قدم زعماء “إسرائيل” أنفسهم”.
والثابت أيضا أنه مثلما بدأت قصة هبة سليم على نحو مثير، انتهت بصورة أكثر إثارة، حيث صدر
الحكم بإعدامها ونفذ في دقائق، بعدما بدأت الضغوط “الإسرائيلية” تتزايد على القاهرة لاطلاقها، لدرجة توسط فيها وزير الخارجية
الأمريكي حينذاك “هنري كيسنجر” لدى صديقه الرئيس السادات لتخفيف الحكم عليها، في وقت كان الأخير يخطط فيه لمعاهدة كامب
ديفيد، وقد تنبه السادات لذلك، فأمر بإعدامها فورا،بعد أن خشي من أن تقف تلك الجاسوسة عقبة في طريق ما يريد.
( هبة سليم)
البداية كانت في نادي الجزيرةمثل أي فتاة مصرية من الطبقة الراقية عاشت هبة عبد الرحمن سليم عامرحياة مرفهة، في بيت أسرتها الفاخر الكائن في ضاحية المهندسين الراقية، غير عابئة بما كانت تمر به مصر خلال فترة
الستينات من تحولات.ومثل غيرها من بنات تلك الطبقة، راحت الفتاة الجميلة تقضي معظم وقتها في نادي “الجزيرة” الشهير، وسط مجموعة من صديقاتها اللاتي لم يكن يشغلهن حينذاك، سوى الصرعات الجديدة في الملابس،
ومغامرات بعضهن وقصصهن العاطفية الملتهبة في أروقة النادي العريق. لم تكن هبة قد جاوزت العشرين من عمرها عندما وقعت نكسة عام ،1967 وكانت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة،فألحت على والدها الذي
كان يعمل وكيلا لوزارة التربية والتعليم، في السفر إلىباريس لإكمال تعليمها الجامعي، إذ كانت الغالبية العظمى من أبناء تلك الطبقة
لا يلتحقون بالجامعات المصرية، ويفضلون الجامعات الأوروبية عليها. أمام ضغوط الفتاة المدللة، وافق الأب من دون أن يخطرعلى باله ولو للحظة واحدة، ما سوف تتعرض له ابنته في فرنسا، ليس بسبب حاجز اللغة،
حيث كانت هبة قد درست الفرنسية منذ طفولتها، وإنما بسبب ما كان ينتظرهاهناك من شرك لم تقو على مقاومة السقوط فيه،فكان سقوطا مريعا وصادما.في فرنسا وجدت هبة سليم ما كانت تنشده من حرية،وفي مدرجات الجامعة
كان الاختبار الأول لتلك الحرية المنشودة عندما تعرفت إلى فتاة يهودية من أصول بولندية
دعتها ذات مساء لسهرة في منزلها، لتجد نفسها فجأة أمام عدد من الشبان اليهود الذين تعجبوا من قبولها الدعوة
في بادئ الأمر، لكنهم سرعان ما راحوا يمطرونها بآيات الغزل، باعتبارها “مصرية جريئة ومتحررة
لا تلتفت لحالة الحرب التي يعيشها بلدها،وتؤمن بالحرية إلى أقصى مدى”. لم يكن الشاب اليهودي الذي كان في حقيقته ضابط مخابرات “إسرائيلي”، بحاجة إلى مجهود كبير لينجح في تجنيد هبة حيث كانت المناقشات الدائرة منذ فترة قد آتت ثمارها سريعاوباتت المصرية
الغارقة حتى أذنيها في وهم الحرية الغربية تنظر بإيمان عميق إلى “إسرائيل” باعتبارها واحة الديمقراطية والحرية الجديدة،
لذا لم يكن أمام الضابط الوسيم سوى أن يشعل الفتيل مرة واحدة، ويؤكد لها أن تلك الدولة الديمقراطية الحرة القوية،
قادرة بكل تأكيد على “حماية أصدقائها” بل وباستطاعتها بسهولة شديدة أن تنقذهم من أي خطر يتعرضون له، في أي مكان في العالم.
كان فاروق عبد الحميد الفقي يعمل ضابطا في الجيش المصري وسقط في غرام هبة منذ شاهدها لأول مرة بصحبة عدد من صديقاتها
في النادي، لكن الفتاة المتحررة كانت غير راغبة في الارتباط به حيث كان بالنسبة لها شابا عاديا لا يملك من مقومات فتى أحلامها شيئا. غرام في النادي عندما روت هبة ذات يوم لضابط الموساد “الإسرائيلي” عن الضابط فاروق، ومطارداته الساذجة لها في أروقة النادي وعبر هاتف بيت أسرتها، كاد يطير من الفرح بذلك الصيد الثمين ولم لا وقد تغيرت الخطة، فبدلا من أن ينحصر دور هبة في اللعب بأدمغة الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الفرنسية المختلفة بات من الممكن أن تلعب دورا أكبر وأهم، ولم يضيع ضابط الموساد وقتا ولم تمر سوى أيام معدودات حتى رسم لها خطة لاصطياد فاروق وتجنيده بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو خطبتها له.
عادت هبة إلى القاهرة، وراحت تتردد على نادي الجزيرة مجددا، وتسأل صديقاتها الذين تعجبوا كثيرا لآرائها المتحررة للغاية
عن فاروق، الذي ظهر بعد فترة قليلة غير مصدق أن الفتاة التي طالما تمناها لنفسه تبحث عنه.
لم يصدق الضابط العاشق نفسه عندما فاجأته هبة ذات يوم بدلال مصطنع بسؤال حول مصير علاقتهما التي بدأ الناس
يتحدثون عنها، فأخبرها فاروق انه يتمناها زوجة له منذ فترة وأنه على استعداد لأن يذهب ليطلب يدها من أسرتها فورا
فارتسمت على وجه هبة ابتسامة انتصار عريضة.
كان فاروق دائم التغيب لفترات، وكانت تلك الفترات فرصة لشجار مفتعل تمكنت من خلاله هبة أن تحصل
على بعض المعلومات الأولية عن طبيعة عمل خطيبها العاشق وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها أنه يخرج في مهمات عسكرية
على جبهة القتال، لتنفيذ مواقع جديدة لصواريخ حصلت عليها مصر سرا من روسيا، سيكون لها دور فعال
في قطع يد “إسرائيل” إذا ما فكرت في العدوان على مصر. معلومات خطيرة للغاية
كان فاروق يشعر أمام ثقافة هبة الفرنسية الرفيعة ووجهات نظرها شديدة التحرر بنقص شديد،
راح يعوضه بالتباهي أمامها بأهمية عمله، وهبة من جانبها تسخر مما يقول حتى كانت المفاجأة التي لم تتوقعها ذات يوم، عندما دعاها
إلى بيته وتحدث معها في أدق الأسرار العسكرية قبل أن يفاجئها بعدد من الخرائط العسكرية الخطيرة التي
كان يحملها في حقيبة خاصة، ويشرح لها بالتفاصيل أماكن المواقع الجديدة.أرسلت هبة ما حصلت عليه من معلومات من فاروق
إلى باريس حيث ضابط الموساد الذي يتولاها برعايته وأرسل هذه المعلومات من فوره إلى تل أبيب التي سرعان
ما توصلت إلى صحة هذه المعلومات وخطورتها فطلبت من رجلها في فرنسا أن يوليها اهتماما كبيرا،
باعتبارها عميلة فوق العادة. ولم تمض سوى أسابيع قليلة حتى تلقت هبة التعليمات الجديدة
والتي تمثلت في العمل بكل الطرق للحصول على طبيعة تسليح هذه المواقع، والمواد المستخدمة في بناء قواعد الصواريخ
ومواقعها التبادلية المقترحة كانت التعليمات الجديدة تقتضي أن تسافر هبة إلى باريس
على وجه السرعة، فسافرت بعد أن تحججت لخطيبها العاشق بإنهاء أوراق رسالتها للدكتوراه، بينما كانت تحمل في مفكرتها الصغيرة
صفحات دونت فيها معلومات غاية في السرية والأهمية لدرجة حيرت ضابط المخابرات “الإسرائيلي” الذي سألها صراحة
كيف تستطيع الأم الكبيرة مكافأتك على هذه المعلومات الخطيرة؟ وكانت الإجابة تتمثل في عشرة آلاف فرنك فرنسي
حملها ضابط الموساد إلى هبة قبل أيام من عودتها إلى القاهرة مع وعد بمبالغ أكبر وحياة رغدة في باريس، لكن هبة رفضت النقود بشدةوقبلت فقط أن تعيش الحياة الرغدة، لتقضي ثلاثة اشهر على نفقة الموساد في
العاصمة الفرنسية قبل أن تعود إلى القاهرة مجددا بالتكليفات الجديدة، التي كانت تتمثل في تجنيد خطيبها الضابط بالجيش المصري.
فوجئ المقدم فاروق الفقي بالطلب الذي نزل على قلبه كالصاعقة بينما كانت هبة تموء مثل قطة وهي تعبث في خصلات شعره
وانتفض فاروق من رقدته لكنه فهم بعد لحظات من الصمت العميق أنه لم يعد باستطاعته أن يتراجع.
كانفاروق قبل ذلك بساعات قد فوجئ بفرط جرأة هبة معه عندما طلبت منه أن يصطحبها إلى منطقة هادئة بسيارته
لكن السيارة لم تكن مناسبة لتنفذ الفتاة المتحررة ما كانت تخطط له فطلبت من فاروق أن يذهبا إلى شقته.
كاد عقل فاروق يطير وهو يرى حلمه يتحقق، هبة ترقد إلى جواره وكانت الرغبة قد أعمت قلبه فلم يشعر بكارثة السقوط،
ليكتشف بعدما أفاق من سكرة العشق أنه صار عميلاً للموساد نجحت هبة بمساعدة فاروق في الحصول على وثائق وخرائط عسكرية
غاية في الخطورة عن منصات صواريخ “سام 6” المضادة للطائرات وفيما كانت الأنباء السارة تنهمر على تل أبيب كان جهاز المخابرات المصري يبحث عن حل للغز الكبير، والذي كان يتمثل في تدمير مواقع الصواريخ الجديدة
أولاً بأول بواسطة الطيران “الإسرائيلي”، وحتى قبل أن يجف البناء، وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود “عميل عسكري”
يقوم بتسريب معلومات سرية جداً إلى “إسرائيل”. زيارة إلى “إسرائيل”مستغربة انتقلت هبة إلى باريس للحصول على مكافأتها الكبرى
وهناك عرض عليها ضابط الموساد زيارة “إسرائيل”ووصفت هبة فيما بعد تلك الرحلة مشيرة إلى أن طائرتين حربيتين
رافقتا الطائرة التابعة لطيران العال التي أقلتها إلى تل أبيب عندما دخلت المجال الجوي “الإسرائيلي” كحرس شرف تحية لها، في إجراء
لا يتم إلا مع الرؤساء والملوك فقط.في مبنى الموساد كان هناك استقبال أكبر، فقد كان
في استقبال هبة جولد مائير و عاميت رئيس جهاز الموساد قصة وصور الجاسوسة هبة سليم( فلم الصعود للهاوية )
حينذاك، حيث أقيم حفل استقبال ضخم، انتهى إلى مفاجأة عندما وجدت هبة نفسها أمام مدخل مكتب فخم واصطف
على الطريق المؤدي إليه عشرة من كبار الجنرالات يؤدون التحية العسكرية، قبل أن تفاجأ بأنها وجها لوجه
أمام جولدا مائير شخصيا، التي قدمت هبة إلى الجمع قائلة: “أيها السادة إن هذه الآنسة قدمت ل”إسرائيل”
خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعا”.بعد عدة أيام عادت هبة إلى باريس وزاد يقينها بأن “إسرائيل”
جنة يريد العرب تدميرها، بينما كان البحث لا يزال جاريا في القاهرةعن الجاسوس الغامض، حتى اكتشف الأمر أحد
مراقبي الخطابات الصادرة إلى الخارج في قسم تابع للمخابرات المصرية.كان الخطاب موجها من فاروق إلى هبة، وكانت سطوره تفيض بالعواطف الجياشة، لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي تمثل في عبارة كتبها مرسل الخطاب تقول إنه “قام بتركيب إيريال الراديو الذي عنده”وكان عصر إيريال الراديو قد انتهى.انقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة
وتشكلت لجان من أمهر الرجال، مسحت شوارع حي الدقي حيث كان يقيم فاروق، حتى عثر أحد أفراد فرقة البحث على
جهاز الإيريال فوق إحدى البنايات، ليكتشف ضباط المخابرات أن الشقة التي يصل إليها سلك الإيريال تخص ضابطا
يعمل وقتها مديراً لمكتب إحدى القيادات المهمة في الجيش وكان هو نفسه المقدم فاروق عبدالحميد الفقي.
كان فاروق في تلك الأثناء في مهمة عسكرية بعيدا عن القاهرة وعندما عاد إلى مكتبه، كان نائب مدير المخابرات الحربية
في انتظاره، يجلس خلف المكتب، فارتجف فاروق من الرعب،وقال في الحال: “أنتوا عرفتوا؟”.
(اعترافات في مبنى المخابرات)
في التحقيقات التي أجريت في مبنى المخابرات المصرية اعترف فاروق بما حدث، وكيف جندته خطيبته،
لكنه قال إنه لم يكن يعلم أن المعلومات التي قدمها لها كانت ستفيد العدو، وقدم فاروق سريعا للمحاكمة العسكرية
التي قضت بإعدامه رميا بالرصاص، لكن جهاز المخابرات كان له رأي آخريتمثل في استثمار ما يضعه جهاز الموساد “الإسرائيلي”
من ثقة في فاروق وشريكته، فطلب من فاروق أن يستمر في نشاطه خاصة أن هبة لم تعلم بعد بأمر القبض عليه والحكم بإعدامه.
اقتيد فاروق إلى مكان خاص بالمخابرات المصرية، وخضع لسيطرة نخبة من الضباط تولت توجيهه، ليتم إرسال رسائل بواسطة جهاز اللاسلكي من صنع المخابرات الحربية، تم توظيفها بدقة ضمن مخطط للخداع فيما تواصل الاتصال مع هبة بعد القبض على فاروق لمدة شهرين، قبل أن تقرر المخابرات المصرية استدراج هبة إلى القاهرة بهدوء، حتى لا تنجح في الهرب إلى “إسرائيل” إذا ما اكتشفت الأمر.
(خطة القبض علي هبة)
كانت خطة القبض على هبة تتضمن أن يسافر ضابطان كبيران من جهاز المخابرات إلى ليبيا لمقابلة والد هبة الذي
كان يشغل وظيفة كبيرة هناك، وإقناعه بأن ابنته تورطت في عملية خطف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة
الفرنسية على وشك القبض عليها، وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، ولمنع الزج باسم مصر في مثل
هذه العمليات الإرهابية، وطلب الضابطان من والد هبة أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته بزعم أنه مصاب بذبحة صدرية.
أرسل الوالد برقية عاجلة لابنته فجاء ردها سريعا ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس إلى باريس، حيث إنها حجزت له في أكبر
المستشفيات هناك، وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار، فقامت المخابرات المصرية بالتنسيق مع نظيرتها الليبية التي
قامت بحجز غرفة في مستشفى طرابلس للأب، الذي أرسل مجددا لابنته يخبرها بعدم قدرته على السفر إلى باريس لصعوبة حالته.
تأكدت المخابرات “الإسرائيلية” من صحة البرقية بأن أرسلت شخصين للتأكد من وجود والد هبة في المستشفى الليبي
وعندها فقط سمح لها بالسفر على متن طائرة ليبية في اليوم التالي إلى طرابلس.عندما نزلت هبة عدة درجات من سلم الطائرة
في مطار طرابلسوجدت ضابطين مصريين في انتظارها، صحباها إلى حيث تقف طائرة مصرية على بعد عدة أمتار، فسألتهما:
إحنا رايحين فين؟
فرد أحدهما: المقدم فاروق عايز يشوفك.
فقالت: هو فين؟.
فقال لها: في القاهرة.
صمتت برهة ثم سألت: أمال أنتم مين؟
فقال: إحنا المخابرات المصرية
(أسرع تنفيذ لحكم بالإعدام)
مثلت هبة سليم أمام القضاء المصري ليصدُر بحقها حكم بالإعدام شنقا بعد محاكمة اعترفت أمامها بجريمتها، وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها بل إنها تقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة لكن التماسها رفض وأعدم فاروق الفقي بيد قائده بعد شنق هبة سليم بأيام ونفذ حكم الإعدام فيها بطريقة لم تحدث من قبل، وكان وقتها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي قد حضر إلى أسوان
لمقابلة الرئيس السادات، في أول زيارة له إلى مصر بعد حرب أكتوبر وفوجئ السادات به يطلب منه
بناء على رغبة شخصية من جولدا مائير أن يخفف الحكم على هبة سليم، التي كانت تقضي أيامها في أحد السجون المصرية.
وفطن السادات أن الطلب سيكون بداية لطلبات أخرى ربما تصل إلى درجة إطلاق سراحها، فنظر إلى كيسنجر
في دهاء شديد قائلاً: “تخفيف حكم؟.. لقد أعدمت”. وعندما سأل كيسنجر في استغراب: “متى؟”مستغربة.
رد السادات دون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية الذي كان يقف على بعد خطوات وكأنه يصدر له الأمر: “النهارده
أما الضابط العاشق – المقدم فاروق عبد الحميد الفقي فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولاً عنه بالكامل.
وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته، رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته
خاصة والحرب وشيكة. .اشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن. ولما
كان هذا الشرط لا يتفق والتقاليد العسكرية. .وما يتبع في مثل هذه الأحوال. . فقد رفع طلبه الى وزير الدفاع "الحربية"
الذي عرض الأمر على الرئيس السادات "القائد الأعلى للقوات المسلحة فوافق فوراً ودون تردد.
وعندما جاء وقت تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن.. لا أحد يعرف ماذا كان شعور قائده وهو يتقدم ببطء. . يسترجع في شريط سريع تسع سنوات مرت عليهما في مكتب واحد. . تسع سنوات كان بعضها في سواد الليل. . وبعضها تتلألأ خلاله
ومضات الأمل قادمة من بعيد. . الأمل في الانتصار على اليهود الخنازير القتلة السفاحين.. وبينما كان يخطط لحرب
أكتوبر كان بمكتبه هذا الخائن الذي باع الوطن والأمن وقتل بخيانته أبرياء..لا أحد يعرف ماذا قال القائد له. . وماذا كان رد الضابط عليه. . لا أحد يعرف. هل طلب منه أن ينطق بالشهادتين، وأن يطلب المغفرة من الله؟.
. . لا أحد يعرف.لكن المؤكد أنه أخرج مسدسه من جرابه. . وصوبه على رأس الضابط
وأطلق طلقتني عليه كما تقضي التعليمات العسكرية في حالة الاعدام